الثلاثاء، 6 يناير 2015

سمعنا خشخشة خلف الفرن، أدركنا أنه عاد إلينا مرة أخرى ليفسد علينا راحة البال، أكان ذلك قصده حقا..
أوصدنا الباب بإحكام، أفرغنا المطبخ من كل ما قد يعرقل اصطياده، بدأت في تحريك الفرن بهزات قوية أسقطته من على مخبئه، أراد الفرار، أحس نفسه محاصرا، أصدر استغاثات أشبه بالبكاء، ارتعد جسده بالكامل، حتى كِدت أنزف الدموع شفقة، أمسكتُ زوجتي عن قتله، غادرنا المطبخ بعد إغلاقه بإحكام، ثم نزعنا إلى النقاش...
كانت الإشكالية المطروحة هي: هل جاءنا الفأر قصد إقلاق راحتنا؟ أم ابتغى تلبية حاجيته البيولوجية في الأكل؟ ولماذا لا يبحث عنها خارج نطاقنا؟
بعد أن أجمعنا على أن الإنسان غزا كافة مصادر عيش الفأر، ولم يعد له مصدر غير البيوت، حكمنا ببراءة الفأر، وقبل النطق بالحكم تماما، أردفت الزوجة أن ما ذنبنا حتى نتحمل وزر الإنسانية، ونتكلف بتوفير قوت الفأر، عكس قولها ميزان عدالتنا لغير صالح الفأر، وكان مضمون الحكم إنزال الإعدام على الجاني.

عدنا إلى المطبخ، قلبنا الفرن رأسا على عقب، نقَّبنا عن الفأر شر تنقيب، دون أن نفلح في إيجاده، لقد تمكن أخيرا من الفرار...
يوم السبت الأخير، كان لنساء منطقتي موعد مع أخصائية أطفال في ندوة عمومية، وكان مما ركزت عليه هذه الأخيرة، الحذر من إبقاء الحيوانات في متناول الأطفال، حذَّرت من اللعب بالحيوانات أو اصطياد الحشرات لما لذلك من أضرار وخيمة على سلامة الطفل.
بلغني اليوم من إحدى النساء الحاضرات في الندوة، أن الأخصائية المحاضرة لها ابن في السادسة من عمره، موهوب في اصطياد الذباب، يصطادها بمهارة متناهية، تعجبَتْ كيف لها أن تعظنا بما عجزت عنه، لم تستطع نفسها مساعدة ابنها على الإقلاع من تلك العادة، ضحكت المتحرية كثيرا من أمر المحاضرة..
لم أجد أي عيب فيما قامت به المرأة، إذ أنه من الشائع أن المرء يجد ميلا إلى الاجتهاد في نواقصه، فرويد نفسه كان يعاني اضطرابات نفسية حادة، وأصبح فيما بعد أشهر عالم نفس على الإطلاق، كما لا يخفى على علم أحد أمر المعاق "أندرو سلورانس" الذي اخترع كرسيا متحركا من الألياف الكربونية، إلى غيرهم من الأمثلة الوفيرة...

الجمعة، 2 يناير 2015

كنت أيام الجامعة دائم الجدل مع أحد "العشران"، كنت آكل ضعفه، إذ كنت أسْبقه دوما إلى التهام الجزء الأكبر، وكان يقترح، ضمانا للعدل، تقسيم الوجبات إلى نصفين قبل الشروع في الأكل، وكنت أجادله في أن ذلك ليس من العدالة في شيء، فكيف يأكل نصف الصحن حتى يمتلأ ويشبع، وآكل نفس الكمية دون أن أقترب من الامتلاء، سيكون إذ ذاك قد لبى حاجاته الغذائية زيادة عن اللزوم، دون أن أفلح أنا في بلوغها، كان يدافع عن موقفه باستماتة وأقابله بالمثل. مرَّت السنين، افترقنا، غادرت الجامعة، هجرت أيام العشران، دون أن يهجرني الإشكال، وأردت مشاركتكم إياه !