حدثتني
في مكان ما، عن طموحها، عن آمالها وأحلامها وكل ما انهَد ركاما على قنطرة الزمن، لم
تكد ترى النوم إلا غرارا، لم تكن تمسك الدموع، وإنما ترسلها إرسالا حتى تنقطع، باحت
لي فيما باحت به، وقد هدأ نشاطها وانخفض صوتها، أنها استقبلت الدنيا بنفس مشرقة وقلب
لا يجد حزنا ولا يحس لوعة ولا يأسى على شيء، خالتها موطن اللهو والمجون، استقامت متثاقلة
كي تتم حديثها، "كنت أوثر الفن وأشتهي الرسم، وأتلقط أحاديث السابقين، وأحن لخوض
غمار التجربة، وامتهان الهواية، كنت متفوقة على أقراني طامعة في ولوج معهد الفن، أنفقت
هامش الدراسة في احترافها، حتى إذا أحرزت الباكلوريا، انتغصت أحلامي وكدرت، بعد أن
صدمت بواقع أصم، أوصتني أمي بلزوم البيت، فالجامعة والمعاهد تبعد بمئات الأميال، والفتيات
المكتريات تلطخ الشرف، وخليق بي كما زعمت أمي أن أتقمص ما يرتاع له الرجال وأنا في
كنف أسرتي، حتى إذا ما ملأت عينا زائغ تقدم لخطبتي، تلك الليلة المشؤومة، نزعت فيها
إلى غرفتي، انطويت، وضعت على رأسي ذاك الغطاء البغيض، استذكرت انجازاتي ومآلها في بيت
الزوجية، وجدواها في تربية الأطفال وغسل الصحون، خفت أن أنفق آخر العمر كما أنفقت أوله،
دون احتساب ولا تقدير، آثرت على نفسي أن يفاجئني الموت بغتة، أن يختطفني اختطافا، وأن
أرحل عن هذه الدنيا جاهلة بخروجي منها، كما أقبلت عليها جاهلة بإقبالي عليها..."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق