الاثنين، 22 ديسمبر 2014

جلس منزويا إلى ظل نخلة، بعيدا عن الضوضاء وروائح المدينة البغيضة ونفاق المتطفلين، بعيدا عن كل ما يعكر صفو مزاجه، أحب العزلة منذ أن شغف الصيد وقَطعُ البراري أقداما، نزع عنه محفظة الظهر وجعلها أمامه، لم يحضر هذه المرة بندقية ولا خرطوشا، أخذ ولاعة من جيبه بعد أن التقط بعض العيدان المتناثرة هنا وهناك، أوقدها وانتظر إلى أن تحولت جمرا، أخرج برادا وبعض حبوب الشاي وقنينة ماء... غط في نوم خفيف، انتزعه منه صوت البراد "المشحر"... سكب كأسا ذات "عمامة"، ثم أخرج قطعة حشيش وسيجارة أفرغ ما تحويه في ورقة "نيبرو"، وضع عليها قطعة الحشيش وفركها جيدا، ثم لفها، أشعلها ودَخَّنها بشراسة متواصلة لا تقطعها غير رشفات كأس الشاي، أحس تثاقل رأسه بعد نزقها، أسندها إلى النخلة، سرعان ما فاض ذهنه أفكارا، بدا له مسلسل حياته قصيرا تتساقط حلقاته تباعا مع مر الزمن، حاول استذكار حدث ثاني أيام دخوله المدرسة فعجز، حاول استذكار ما حدث في نفس ذاك اليوم قبله بشهر فعجز، لم يبقى عالقا في ذهنه غير بعض الأحداث الضئيلة التي لا تمثله شمولا بالمرة، بعض منها استطاع الطفو إلى السطح لأهميته وبروزه، وأخرى لتفاهتها البليغة، وتبقى الأحداث العادية في جب النسيان... أفاق من نشوة التفكير والتخدير مذهولا تحت ركلات وعويل رجال الأمن بعد أن أدركوه مسطولا، حملوه إلى المخفر، كانت أول مرة يرى فيها المخفر، فأيقن أن هذا الحدث سينقش عميقا في الذاكرة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق