الاثنين، 22 ديسمبر 2014

كان أبي في شبابه يمتلك الأبقار والأنعام والغنم والدجاج، وطبعا كان يعيش مع أبيه وأمه وأعمامي، لم يكن للنقود آنذاك أهمية تذكر، فأغلب المعاملات كانت تقايضية، وقلما يشتري الخضر من تجمعات سوقية صغيرة على مسافة عشرات الكيلومترات، لم يكلف زواج أبي غير بناء حجرة طوبية داخل فناء البيت الكبير، وإعداد حصيرة خشبية وغزل غطاء شتوي، بساطة الحياة كان لها طعم خاص يصعب على جيل الهواتف الذكية استشعاره، لم يكن أبي ليولي اهتماما لمصدر الدخل الشهري، ولا وضع ألف حساب واحتمال لمصيره الأسري، لأن الأسرة وقتئذ تذوب في العائلة الكبيرة، ولم يكن لينتظر حتى تسنح له الظروف لتقنص فرصة شغل، باله مرتاح من هذا الجانب، فوظيفته معدة سلفا حتى قبل أن يرى النور، هم في غنى عن الكهرباء، الخشب يفي بغرض الإنارة والتدفئة والطبخ، ولم يعرفوا وقتها قنينات الغاز، ولا كانوا يدفعون مقابل الماء، كما كانت هيئاتهم البدنية وأنشطتهم اليومية تقوي مناعتهم ضد أغلب أمراض اليوم، فالمرأة الحامل كانت تضع مولودها وتقوم للعمل مساء يومها، أما المرض العضال فلم يكن يكلف أكثر من بعض الأعشاب أو الكي، كان كل شيء ميسر...
عكس اليوم !! ما إن يفكر الشاب في الزواج حتى يصاب بجلطة دماغية نتيجة استحالة تطابق المدخلات والمخرجات، المعطيات والنتائج، أو على الأقل تقارب الدخل وسومة الكراء وتكاليف الكهرباء والماء والهاتف والنقل والتطبيب... كما أن مستوى الحد الأدنى المعيشي ارتفع إلى مستويات إعجازية، فلا بيت دون ثلاجة أو تلفاز أو صحن هوائي أو آلة تصبين... وكل ما ذكر يتشكل في قيمته الرمزية التي تمثلها النقود، استعبدتنا النقود إلى حد أن معدمها "كلامو مسوس"، سيطرت النقود على كافة مناحي الحياة، استلب الناس حتى أنك بالكاد تقبل وجود ذي قيمة دون أن يكتسي طابع التسليع، ولا مقاومة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق